ما بين خطاب العرش السامي الذي ألقاه جلالة الملك في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة يوم الأحد، ومجريات ما حدث تحت القبة من مخرجات لنشاط سياسي مكثف على مدى عدة أشهر، ثمة روابط كثيرة وعديدة تدعو إلى التفاؤل. فجلالة الملك القدوة، الذي اعتدنا على سماع توجيهاته في مثل هذا الوقت من كل عام، وفي مثل تلك المناسبة الدستورية، والذي يمدنا بالعزم والعزيمة، هو الذي أطلق شارة الإصلاح، وهو الذي يواصل حث السلطات الدستورية ومنها « التشريعية» على تجويد أدائها، وممارسة مهامها الدستورية بما ينعكس خيرا على مستوى المعيشة للمواطن أينما كان.
وجلالته هو الذي يحث الحكومة على بذل كل جهد ممكن إلى التنسيق مع مجلس الأمة بشقيه وصولا إلى رفعة الوطن والمواطن، وتسخير كافة الإمكانات في ذلك السياق. وهو الذي يشخص المعيقات ولا يكتفي بالتنبيه لها وإنما يشارك في تذليلها خدمة للوطن والمواطن. وجلالته يواصل التأشير على مواطن الخلل، ويطالب الحكومات والمؤسسات الدستورية في تطوير مستوى أدائها للتغلب على كل المعيقات، ويرعى عمليات الإصلاح الشامل في كافة المجالات، ويتابع كل جديد في هذا المجال. وينبه إلى مواطن الضعف وكل ما يحد من خدمة المواطن وحل مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية.في هذا السياق يتوقف المتابعون عند توجيهات جلالته بشأن عمليات التحديث التي انطلقت قبل أعوام، والتي أنتجت مجموعة من التشريعات التي تنظم العمل الحزبي والبرلماني. والتي ـ وللأسف ـ لم ترتق إلى مستوى التغيير الحقيقي في الأداء البرلماني الذي استمر فرديا، والذي يجمع المتابعون على حاجته إلى إصلاح شامل يغلّب النمط الحزبي على الأداء الفردي ويستغل الوقت من أجل توسيع دائرة الأداء وتفعيله بما يمكن من تحقيق رؤية جلالته، وبما يحقق ما يصبو له المواطن وما يتعامل بفعالية مع القضايا الوطنية.هنا، وخلافا للكثير مما قيل في نقد الترتيبات التي شهدتها مرحلة ما قبل افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة في شقها النيابي، وما أنتجته الجلسة الأولى من توافقات تاريخية، هناك شبه إجماع على أن السلطة التشريعية أصبحت على أعتاب مرحلة جديدة طالما نادينا بها، لكننا تأخرنا في بلوغها. وأن الاتصالات والترتيبات التي تمت على مدى الأشهر الأخيرة على المستويين الحزبي والبرلماني كانت السبب في تلك النتيجة المبشرة. فالدورة العادية التي انطلقت قبل يومين، تحمل الكثير من البشائر بأداء برلماني مختلف عن الدورات السابقة، من بوابة الأداء البرلماني. فالتنسيق الذي تم بين عدد من الأحزاب، وشاركت به كتل برلمانية حزبية أنتجت توافقات على فرز قيادات برلمانية كلفت بقيادة المرحلة المقبلة، وفقا لبرامج تدخل في صلب عملية الإصلاح التي تقوم أساسا على تجويد الأداء البرلماني، وصولا إلى إصلاح شامل سياسي واقتصادي وإداري واجتماعي.وأبسط ما يمكن أن يقال في هذا السياق، أن التوافقات التي أفرزت القيادات البرلمانية للمرحلة المقبلة ستكون نتيجتها اختصار الكثير من المسافات من خلال التوافق على الكثير من الأمور الادارية التي أزالت بعض الحواجز بين الأحزاب، وقربت من المسافات بينها ـ وجلها مسافات وهمية ـ وسط توقعات بأن تكون النتيجة تفعيل عامل الوقت والسير في إنجازات تشريعية ورقابية منذ اليوم الأول. والتأسيس لتوسيع عملية الاندماج بين الأحزاب المتشابهة برامجيا. ولتقريب الصورة، يمكن القول بمنتهى الثقة أن الأحزاب والشخصيات البرلمانية التي نجحت في تحقيق التوافق على قيادات المرحلة برلمانيا، لن تكون عاجزة عن تحقيق الكثير من الإنجازات التي تلتقي مع ما طرحه جلالة الملك في خطابه المختصر في افتتاح الدورة البرلمانية والغني بمضامين حددت القضايا الوطنية وأولويات المرحلة. والمطلوب من كافة سلطات الدولة التركيز عليها بهدف تحسين الظروف المعيشية للمواطن، ومواجهة أي أخطار خارجية.ومما يبعث على الاطمئنان، الإحساس بأن اختيار القيادات البرلمانية كان موفقا بنسبة كبيرة، فإضافة إلى حالة الإجماع التاريخية التي حدثت ليس على الأشخاص فقط، وإنما على الأولويات والبرامج ومتطلبات المرحلة، فإن معظم القيادات التي تم إفرازها برلمانيا من أصحاب الملفات النظيفة ومن القيادات الشعبية المعروفة وأصحاب الخدمات على مستوى الوطن، وممن يدركون معيقات الإصلاح وكيفية التغلب عليها. وجلهم ممن يدركون إشكالية تراجع الثقة الشعبية ببعض المؤسسات الدستورية وبخاصة التشريعية، ويرفعون شعار استعادة الثقة المفقودة بأساليب جديدة ومبتكرة تقوم على الصراحة والوضوح، وتبني القضايا الوطنية الكبيرة بما ينعكس مباشرة على المواطن، ويؤدي إلى تحسين مستوى معيشته، ضمن ما هو متاح من إمكانيات وما تسفر عنه عمليات الإصلاح والتحديث التي انطلقت والتي تحتاج إلى قدر من التفعيل. وفي الوقت نفسه فما حدث كان تمرينا عمليا على كيفية التوافق الحزبي على تعظيم القواسم المشتركة وذات الأولوية على المستوى الوطني. وتضع حدا للمراهنات التي تطفو على السطح فيما يخص عملية الإصلاح .