مدار الساعة -لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة في عالم المال بل أصبح هو القوة الدافعة والمُتنبئ الأكثر دقة. تشهد مراكز الأبحاث في صناديق التحوط وشركات التكنولوجيا المالية طفرة نوعية في تطوير نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على التنبؤ باتجاهات سوق الأوراق المالية بدقة غير مسبوقة، متفوقة بذلك على أدوات التحليل البشري التقليدية.
هذا التحول المدفوع بـ«التعلم العميق» و«التحليل العاطفي» يهدد بتحويل استراتيجيات التداول من فن إلى علم دقيق مدفوع بالخوارزميات.تعود القدرة الفائقة لهذه النماذج إلى قدرتها على معالجة وتحليل البيانات الضخمة، التي تفوق قدرة العقل البشري على استيعابها، النموذج لا يكتفي بقراءة البيانات المالية الكلاسيكية بل يقوم بتحليل فوري لمليارات النصوص مثل المقالات الإخبارية، البيانات الصحفية للشركات، تقارير المحللين، وخصوصاً بيانات وسائل التواصل الاجتماعي، لتحديد «المزاج العام» للسوق تجاه سهم أو قطاع معين. التنبؤ المبكر بتحول المشاعر يمنح ميزة استباقية.وتستخدم الشبكات العصبية العميقة لكشف «الأنماط الخفية» والعلاقات غير الخطية بين متغيرات لا يربطها المحلل البشري عادة. على سبيل المثال يمكن للنموذج أن يربط بين حركة أسعار النحاس في الصين وتوقعات أرباح شركة تقنية أمريكية.تجاوز المحللين البشريينتتعلم النماذج من أخطائها بشكل مستمر، فبدلاً من البرمجة بقواعد ثابتة يسمح للنموذج بإجراء صفقات افتراضية في بيئة محاكاة ومكافأته على النجاح ومعاقبته على الفشل، ما يحسن استراتيجيته بشكل ذاتي وفعال.تشير تقارير الأبحاث الكمية إلى أن النماذج الحديثة للذكاء الاصطناعي قادرة على تحقيق معدلات دقة، تتراوح بين 70% و 85% في التنبؤ باتجاهات الأسعار على المدى القصير إلى المتوسط (من دقائق إلى أسابيع).كما تتخذ خوارزميات الذكاء الاصطناعي القرارات في زمن الميلي ثانية (وهو ما يمنح صناديق التداول الكمية ميزة حاسمة في أسواق التداول عالي التردد، ولا يقتصر التنبؤ على الأسهم، بل يتم استخدام نفس النماذج لمعالجة البيانات الضخمة حول الأصول البديلة، بما في ذلك التنبؤ بحركات البيتكوين بناء على تحول المشاعر على «تويتر» أو الذهب بناء على بيانات التضخم والتصريحات الجيوسياسية.تحديات ومخاطر أخلاقيةهذا التقدم لا يخلو من مخاطر جوهرية قد تهدد استقرار السوق وعدالته إذا اعتمدت نسبة كبيرة من السوق على نماذج متشابهة، فقد يؤدي ذلك إلى «سلوك قطيعي» متزامن، ما يضخم التقلبات، ويخلق فقاعات أو انهيارات مفاجئة، يصعب التنبؤ بها بالطرق التقليدية.تماماً كما في التوظيف تفتقر هذه النماذج إلى الشفافية. إذا تسبب نموذج ذكاء اصطناعي في خسارة بمليارات الدولارات يصبح من الصعب تحديد سبب الخلل ومحاسبة المسؤول.يمنح هذا التقدم ميزة هائلة لشركات الاستثمار الكبرى وصناديق التحوط، التي تمتلك الموارد لتطوير وتشغيل هذه التكنولوجيا المعقدة والمكلفة، ما يوسع الفجوة بين المستثمر المؤسسي والمستثمر الفرد.لقد تجاوزت نماذج الذكاء الاصطناعي بالفعل مجرد مساعدة المحللين لتصبح شريكاً أساسياً في اتخاذ القرارات المالية، ومع استمرار السباق نحو تحسين دقة التنبؤ يبدو أن الأسواق المالية تتجه نحو عهد جديد، يسيطر فيه «التفكير العميق» للآلة على القرارات، ما يطرح تحدياً حقيقياً حول كيفية الحفاظ على سوق مستقر وعادل للجميع.الحاسوب يبتلع وول ستريت: 'التفكير العميق' يزيح المحللين البشر.. هل فقدت الأسواق عامل الإحساس؟
مدار الساعة ـ










