رغم الخطاب الرسمي المكثف حول تمكين الشباب وبناء قدراتهم السياسية، تكشف التجربة الحزبية الأردنية واقعاً مختلفاً كلياً؛ واقعاً تُدار فيه الحياة الحزبية بعقلية تقليدية حيث ان بعض الأحزاب، تُقصي الشباب من الفعل السياسي الحقيقي، وتُبقي مواقع التأثير حكراً على قيادات تمتلك "خبرة قديمة" لا تُنتج تجديداً ولا تسمح بضخ دم جديد في بنية الحزب. الخطاب يتحدث عن تمكين، لكن الممارسة تُصرّ على إعادة إنتاج نفس النخبة، اليوم الأحزاب تنظر إلى السياسة كمساحة مغلقة لا يدخلها إلا من تجاوز سنوات طويلة من العمل السياسي.
هذه الفجوة بين الخطاب والممارسة لم تعد مسألة تفصيلية، بل أصبحت سبباً مباشراً في تراجع الثقة بالشأن الحزبي لدى الشباب. فبدلاً من أن تكون الأحزاب حواضن إنتاج قيادات شابة، أصبحت بعض الأحزاب تستخدم الشباب كـ"متطلب قانوني" لاستكمال شروط الترخيص، دون منحهم نفاذاً حقيقياً إلى مواقع القرار أو إشراكهم في رسم الاستراتيجيات. وعلى الرغم من وجود نصوص قانونية واضحة تفرض تمثيلاً شبابياً داخل الأحزاب، إلا أن الترجمة العملية لهذه النصوص شبه غائبة؛ النص مكتوب، لكن البيئة التنظيمية ما تزال تسير بذات الذهنية القديمة التي تعطل أي تجديد.ويفاقم هذا المشهد عاملان رئيسيان: الخوف السياسي والضغط الاقتصادي. فقد تراكمت لدى الشباب قناعة بأن العمل الحزبي مساحة محفوفة بالمخاطر، نتيجة التجارب العربية المضطربة في سوريا والعراق ولبنان، وما رافقها من مشاهد عنف وانقسامات. هذه الصورة الإقليمية غذّت فكرة أن السياسة باب غير آمن. أما اقتصادياً، فالأولويات المعيشية الضاغطة—من بطالة وغياب مسارات مهنية مستقرة—دفعت الشباب إلى اعتبار أن الوقت غير ملائم للانخراط الحزبي، وأن الوظيفة تسبق السياسة، وأن الأحزاب لا تقدم قيمة مضافة حقيقية مقارنة بالجهد المبذول.ورغم هذا الواقع المعقد، يبقى الشباب خزّاناً سياسياً غير مُستغل. بنظري أن الشباب يمتلكون قدرة أفكار عالية قادرة على دفع الإصلاح في مجالات حيوية: سوق العمل، التكنولوجيا، التحول البيئي، وقطاعات جديدة لم تدخل بعد في أجندات الأحزاب التقليدية. لكن هذه الطاقة تصطدم بمنظومة تنظيمية جامدة لا تمنحهم مساراً للصعود ولا بيئة سياسية ناضجة.الأخطر أن السنوات الأخيرة كشفت مساراً جديداً: الشباب باتوا قادرين على تشكيل حركات سياسية خارج الإطار الحزبي التقليدي. ظهر جيل يقود مطالب سياسية دون أي دعم حزبي، ما يطرح سؤالاً جوهرياً حول جدوى البنية الحزبية الحالية وقدرتها على البقاء. فالنظام الحزبي لم يعد وحده الطريق إلى التأثير، والشباب أثبتوا أنهم قادرون على خلق أدوات بديلة عندما تغلق الأحزاب أبوابها.وبالرغم من التحسينات القانونية في التشريعات الحزبية، إلا أن الضمانات العملية لطمأنة الشباب ما تزال ضعيفة. المطلوب ليس فقط قانوناً متقدماً على الورق، بل بيئة سياسية تفتح الباب لصعود قيادات جديدة، وتنهض بهياكل الأحزاب من حالة الجمود، وتحوّل المشاركة من نشاط رمزي إلى مسار مهني وسياسي واضح.الخلاصة أن الأردن يمتلك كتلة شبابية ضخمة، لكنها لا تزال خارج المعادلة الحزبية. وإن لم تُجرِ الأحزاب تحديثاً داخلياً جذرياً يعكس هذا الوزن السكاني ويمنح الشباب موقعاً فعلياً في صناعة القرار، فإن الفجوة بين الأجيال ستتسع، وستبقى المشاركة الحزبية محدودة، فيما سيستمر الشباب في بناء أدوات سياسية بديلة خارج النظام الحزبي التقليدي.العضايلة يكتب: المشاركة الشبابية في الأحزاب الأردنية.. فجوة بين الخطاب والممارسة
مدار الساعة ـ