مدار الساعة - كتب منور العقيل الدعجة -
في زمن ازدحمت فيه المنصات بالشعراء وتكاثرت فيه الأسماء، يبقى القليل من الأسماء ثابتًا في ذاكرة الذائقة، لا يتزحزح، ولا يخبو وهجه. وعلى رأس هؤلاء يأتي الشاعر العربي السعودي مدغم أبو شيبة، الذي فرض حضوره الشعري بثقل المعنى، وبهاء اللغة، وعمق الصورة، حتى غدا أيقونة من أيقونات الشعر النخبوي، ومنارة يُهتدى بها في دروب الإبداع الأصيل.
مدغم ليس بشاعر عابر ، بل هو شاعرٌ عظيمٌ في بناء القصيدة، متمكّنٌ من أدوات الشعر واللغة، ساحرٌ في تشكيل الصورة الشعرية، ومُغرقٌ في عمق المعنى والرمزية. يمتلك من الحس الفني والبصيرة الشعرية ما يجعله متفرّدًا في طرحه، متماسكًا في أسلوبه، وراقيًا في اختياراته اللغوية. قصيدته لا تأتي مصادفة، بل بتشكيل واعٍ يراعي الفكرة والصورة والذوق.
لقد استطاع هذا الشاعر المتفرّد أن يجعل من اسمه علامةً شعرية بارزة على المستوى العربي، بصوته المتّزن، وحضوره الطاغي، وفكره الذي يجمع بين عمق البادية وأناقة الحرف. وهو ليس فقط شاعر منصّة، بل صاحب صولات وجولات وأمسيات حفرت حضورها في الذاكرة، وأثبتت أن الشاعر الحقيقي يظل متوهجًا مهما اختلفت المنصات وتبدلت الأمزجة.
ويُحسب له أيضًا دوره الإعلامي المتميز، لا سيما من خلال مشاركته كأحد أعضاء لجنة التحكيم في برنامج “شاعر المعلّقة” على قناة MBC، حيث لم يكن مجرد حكم، بل صوتًا يمثل الذائقة الرفيعة والوعي العميق بقيمة الشعر وأدواته، وكان حضوره إضافة نوعية للبرنامج من حيث الرأي والموقف والتوجيه. كما تألّق كذلك في برنامج “البيت” على تلفزيون دبي، حيث شغل موقعه كعضو في لجنة التحكيم، ليضيف من خلال حضوره المهاب بُعدًا ثقافيًا وجماليًا عزّ نظيره، مؤكداً مكانته كشاعرٍ وناقد يمتلك أدوات التقييم والرؤية والتمييز بين البديع والعابر
إن تجربة مدغم أبو شيبة ليست تجربة عابرة، بل مدرسة شعرية متفرّدة في الطرح، والرمزية، والبناء الفني. شاعر لا يُقلّد، بل يُحتذى به، ولا يكتب ما يُطلب، بل يكتب ما يُخلّد. وحين نقرأه أو نسمعه، فإننا لا نقرأ مجرد أبيات، بل نلجُ إلى عالمٍ موازٍ من التأمل والدهشة، ممهور ببصمته التي لا تُخطئها عين الذائقة.
إنه الشاعر الذي إذا ذُكر الشعر الحقيقي، كان في صدر القائمة…
مدغم أبو شيبة، شاعر العمق، ومهندس الصورة، وبصمة لا تتكرر.